هل
سيأتي اليوم الذي نقول فيه بأن مبارك كان آخر الفراعنة الذين حكموا مصر؟
هل حقا نحن في طريقنا لأن نرى وجها آخر، ونتعامل مع نظام آخر، وطريقة
مختلفة لحكم الوطن، بعيدا عن الأوامر الفرعونية وفرمانات المعبد؟
حيرني سؤالي؛ فرحت أبحث في واقعنا الآن عن إجابة، ومكثت أقلب أوراق ما قبل الثورة، ترى ماذا وجدت؟
وجدت حكاية رمزية قديمة.. ماذا كانت تقول:
"يُحكى أن أحد ملوك القرون الوسطى كان يحكم شعبًا حرًا كريمًا، وكان هذا الشعب
رغم طيـبته وبساطته وعلاقاته الطيبة لا يسكت على باطل أبدًا، ولا يدع الملك أو أي وزير من وزرائه يظلمون أحدًا منهم.
أخـذ المـلك في حيـرته يسـأل وزراءه عن الحـل.. وكيـف له أن يحـكم هذا البلد كما
يريـد، فخـرج من وزرائـه رجـل داهية؛ فأشـار عليه باتباع سياسة يسميها "سياسة البيض المسروق"!!! فما تلك السياسة؟
نادَى في النـاس أن المـلك يريد من كل رب أسـرة خمس بيضـات من أي نـوع..
فقام النـاس بجـمع البيـض والذهـاب به إلى قصـر الحـاكم.. وبعـد يوميـن
نادى المنادي أن يذهـب كل رجـل لأخـذ ما أعطاه من البيض.. فاستجاب الناس
وذهب كل منهم لأخذ ما أعطـاه.. وهنـا وقـف الوزيـر والمـلك وحاشــيتهما
وهـم يتابعـون النـاس أثنـاء أخــذ البيض.. ترى ما الذي وجدوه؟
وجـدوا كل واحـد تمتـد يده ليأخـذ البيضـة الكبيـرة!! والتي ربما لم يأت بهـا، وهنا
وقـف الوزيـر.. ليعـلن للمـلك أنه الآن فقـط يسـتطيع أن يفعل بهم ما
أراد.. فقد أخذ الكثير منهـم حاجـة أخيـه وأكـل حـرامًا، ونظر كل منهم لما
في يد الآخر فلن يتجمعوا بعدها أبدًا..
وعنـدما مر الزمـن.. وقامت فئة واعية تبصر ما فعله الملك بشعبه أخهم
الغضب، وباتوا يطـالبون بحـق الشـعب في الحـياة الطيبة، فلجأ الملك للوزير
الذي أشار عليه بـ"سياسة جدول الضرب"!!! فما هذه السياسة؟
أن يسـتخدم المـلك العمـليات الحسـابية –الجمع والطرح والضرب والقسمة– في
تعـامله مع هـذه الفئـة التي تطـالب بحـقوقها وحقـوق الوطـن.. كيـف؟
أولا يبدأ بعملية "الجـمع ".. فيجـمع من اسـتطاع منهـم حـوله، بأن
يتقـلدوا المناصـب، ويأخـذوا الأموال والأوسمة؛ فينسوا القضية؛ بعد أن
يكسر الملك عيونهم بفضله عليهم.
أما الفئـة التـي تظـل علـى موقفهـا وبالضـرورة هـم قلـة فيلجـأ المـلك " للطـرح"؛
فيطرحهـم أرضًـا بتلفـيق القضـايا، واستخـدام نقطـة الضـعف فـي كل واحد
منهم، وبذلك يتوارون عن الأنظار؛ إما خجلا أو خلف غياهب السجون.
أما من تبقـى -وهـم قلة القلـة- فإذا خرجـوا يهـتفون وينـددون فالرأي أن
يلجـأ للعلامة الثالثـة من العـلامات الحسـابية وهي "الضـرب"... فضـربهم
وسحلهم والتنكيل بهم في الطرقات سوف يخيف الباقين من تكرارها.
وهنا نساءل الملك: تُرَى.. ما الذي سيكون عليه حال الشعب؟ فضحك الوزير
قائلا: يا سيدي لم يتبـق للشـعب في معـادلتنا سـوى علامـة واحـدة هي
"القسمة"!!!
قال الملك: وماذا تعني؟
فأجـاب الوزيـر: أعني أنه لن يكـون أمامهـم سوى أن يخضـعوا ويفلسفوا
عجـزهم بقـولهم: قسمتنا كده؟ ربنا على الظالم؟ يعني على جلالتك!! وده أمر
مؤجل ليوم القيامة.. عندها ضحك الوزير، وضحك الملك وضحكت حاشيتهما، وظلت
أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق..".
الذي حدث فعلا، أن سقط من كانوا يقولون إن له مُلك مصر، سقط الملك وسقط الوزير وسقطت الحاشية..
خرج الناس غاضبين ثائرين، على كل ألوان الذل.. والقهر.. والفقر..
والإهانة..، ثم عاد الجميع إلى بيوتهم يحلمون بغد أفضل، ووطن حقيقي، ترتفع
فيه قيمة الإنسان..
ولكنهم ما لبثوا أن اختلفوا.. حين انتهت معركتهم مع الحاكم، وأخذتهم
الحمية والدعوة المحمومة للقصاص، ظلوا يلتفتون وراءهم دون أن يتقدموا خطوة
واحدة للأمام، ثم تنازعوا على كراسٍ زائفة في وطن جريح.
لقد ارتفعت أصواتهم بالمحاكمات، وتعالت أصواتهم بالخلافات، في مرحلة كان من المفترض أنهم -كما أعلنوا- يريدون تطهير البلاد..
أرادوا تطهير البلاد، ونسوا تطهير أنفسهم! نسوا البيض المسروق الذي فرقهم
وأضعفهم؟ نسوا ما أُطعِموا طوال سنوات القهر والاستبداد، وما أحدثه ذلك في
نفوسهم من فُرقة وتناحر وأنانية، كان فساد الحاكم وحاشيته أكبر من أن
يظهرها عليهم!
نعم، أرادوا تطهير الوطن، لكنهم لم يلتفتوا إلى نفوسهم ليطهروها هي أيضا..
ولهذا فإن ظني أن الثورة في مصر قد اسقطت كثيرًا من المفسدين أصحاب الحكم
والسلطان، ولكن بقي الفساد مسيطرا على سلوك كثير من المحكومين، وكثير من
الفراعين الجدد الذين لا يحترمون الرأي الآخر، بل وباسم الديمقراطية
يحلمون بأن يكونوا يوما من الحاكمين.
ولله در.. أحب أحبابي وأخلص خلصائي، حين ذكرني بآية حكم مبارك التي ظلت الصحف ترددها ليل نهار، حين قال:
"لا تنس يا أخي أن هؤلاء كانوا دوما يصفون الحاكم بالفرعون، ويعقبونها
بقوله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه".. هكذا ظلوا يرددونها على مسامعنا،
ويملؤون بها جرائدنا.. ورغم ذلك فقد ظلوا طوال الوقت وإلى يومنا هذا ينسون
تتمة الآية: "فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين"...
نعم لقد أطاحت الثورة ببعض المفسدين.. ولكنها لم تستطع بعد أن تقضي على الفساد.
وبنظرة واحدة على المتصدرين للمشهد السياسي والإعلامي، وكمُّ التعالي
والغطرسة التي تطل من الوجوه ولا تخطئها العيون.. وكم الغل الذي لا تخطئه
القلوب، وغياب الرؤية الذي لا تخطئه العقول، وقضية البحث عن الذات التي
باتت أكبر وأعظم من البحث عن الوطن.
ربما ستصل مثلي لنتيجة مفادها، أن مبارك لن يكون آخر الفراعنة في نظام الحكم في وطني الحبيب
!
سيأتي اليوم الذي نقول فيه بأن مبارك كان آخر الفراعنة الذين حكموا مصر؟
هل حقا نحن في طريقنا لأن نرى وجها آخر، ونتعامل مع نظام آخر، وطريقة
مختلفة لحكم الوطن، بعيدا عن الأوامر الفرعونية وفرمانات المعبد؟
حيرني سؤالي؛ فرحت أبحث في واقعنا الآن عن إجابة، ومكثت أقلب أوراق ما قبل الثورة، ترى ماذا وجدت؟
وجدت حكاية رمزية قديمة.. ماذا كانت تقول:
"يُحكى أن أحد ملوك القرون الوسطى كان يحكم شعبًا حرًا كريمًا، وكان هذا الشعب
رغم طيـبته وبساطته وعلاقاته الطيبة لا يسكت على باطل أبدًا، ولا يدع الملك أو أي وزير من وزرائه يظلمون أحدًا منهم.
أخـذ المـلك في حيـرته يسـأل وزراءه عن الحـل.. وكيـف له أن يحـكم هذا البلد كما
يريـد، فخـرج من وزرائـه رجـل داهية؛ فأشـار عليه باتباع سياسة يسميها "سياسة البيض المسروق"!!! فما تلك السياسة؟
نادَى في النـاس أن المـلك يريد من كل رب أسـرة خمس بيضـات من أي نـوع..
فقام النـاس بجـمع البيـض والذهـاب به إلى قصـر الحـاكم.. وبعـد يوميـن
نادى المنادي أن يذهـب كل رجـل لأخـذ ما أعطاه من البيض.. فاستجاب الناس
وذهب كل منهم لأخذ ما أعطـاه.. وهنـا وقـف الوزيـر والمـلك وحاشــيتهما
وهـم يتابعـون النـاس أثنـاء أخــذ البيض.. ترى ما الذي وجدوه؟
وجـدوا كل واحـد تمتـد يده ليأخـذ البيضـة الكبيـرة!! والتي ربما لم يأت بهـا، وهنا
وقـف الوزيـر.. ليعـلن للمـلك أنه الآن فقـط يسـتطيع أن يفعل بهم ما
أراد.. فقد أخذ الكثير منهـم حاجـة أخيـه وأكـل حـرامًا، ونظر كل منهم لما
في يد الآخر فلن يتجمعوا بعدها أبدًا..
وعنـدما مر الزمـن.. وقامت فئة واعية تبصر ما فعله الملك بشعبه أخهم
الغضب، وباتوا يطـالبون بحـق الشـعب في الحـياة الطيبة، فلجأ الملك للوزير
الذي أشار عليه بـ"سياسة جدول الضرب"!!! فما هذه السياسة؟
أن يسـتخدم المـلك العمـليات الحسـابية –الجمع والطرح والضرب والقسمة– في
تعـامله مع هـذه الفئـة التي تطـالب بحـقوقها وحقـوق الوطـن.. كيـف؟
أولا يبدأ بعملية "الجـمع ".. فيجـمع من اسـتطاع منهـم حـوله، بأن
يتقـلدوا المناصـب، ويأخـذوا الأموال والأوسمة؛ فينسوا القضية؛ بعد أن
يكسر الملك عيونهم بفضله عليهم.
أما الفئـة التـي تظـل علـى موقفهـا وبالضـرورة هـم قلـة فيلجـأ المـلك " للطـرح"؛
فيطرحهـم أرضًـا بتلفـيق القضـايا، واستخـدام نقطـة الضـعف فـي كل واحد
منهم، وبذلك يتوارون عن الأنظار؛ إما خجلا أو خلف غياهب السجون.
أما من تبقـى -وهـم قلة القلـة- فإذا خرجـوا يهـتفون وينـددون فالرأي أن
يلجـأ للعلامة الثالثـة من العـلامات الحسـابية وهي "الضـرب"... فضـربهم
وسحلهم والتنكيل بهم في الطرقات سوف يخيف الباقين من تكرارها.
وهنا نساءل الملك: تُرَى.. ما الذي سيكون عليه حال الشعب؟ فضحك الوزير
قائلا: يا سيدي لم يتبـق للشـعب في معـادلتنا سـوى علامـة واحـدة هي
"القسمة"!!!
قال الملك: وماذا تعني؟
فأجـاب الوزيـر: أعني أنه لن يكـون أمامهـم سوى أن يخضـعوا ويفلسفوا
عجـزهم بقـولهم: قسمتنا كده؟ ربنا على الظالم؟ يعني على جلالتك!! وده أمر
مؤجل ليوم القيامة.. عندها ضحك الوزير، وضحك الملك وضحكت حاشيتهما، وظلت
أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق..".
هكذا كنت اتصور مصر قبل الثورة، فماذا بعد أن قامت الثورة..؟ وسقط مبارك طبقا لقصتنا؟
الذي حدث فعلا، أن سقط من كانوا يقولون إن له مُلك مصر، سقط الملك وسقط الوزير وسقطت الحاشية..
خرج الناس غاضبين ثائرين، على كل ألوان الذل.. والقهر.. والفقر..
والإهانة..، ثم عاد الجميع إلى بيوتهم يحلمون بغد أفضل، ووطن حقيقي، ترتفع
فيه قيمة الإنسان..
ولكنهم ما لبثوا أن اختلفوا.. حين انتهت معركتهم مع الحاكم، وأخذتهم
الحمية والدعوة المحمومة للقصاص، ظلوا يلتفتون وراءهم دون أن يتقدموا خطوة
واحدة للأمام، ثم تنازعوا على كراسٍ زائفة في وطن جريح.
لقد ارتفعت أصواتهم بالمحاكمات، وتعالت أصواتهم بالخلافات، في مرحلة كان من المفترض أنهم -كما أعلنوا- يريدون تطهير البلاد..
أرادوا تطهير البلاد، ونسوا تطهير أنفسهم! نسوا البيض المسروق الذي فرقهم
وأضعفهم؟ نسوا ما أُطعِموا طوال سنوات القهر والاستبداد، وما أحدثه ذلك في
نفوسهم من فُرقة وتناحر وأنانية، كان فساد الحاكم وحاشيته أكبر من أن
يظهرها عليهم!
نعم، أرادوا تطهير الوطن، لكنهم لم يلتفتوا إلى نفوسهم ليطهروها هي أيضا..
ولهذا فإن ظني أن الثورة في مصر قد اسقطت كثيرًا من المفسدين أصحاب الحكم
والسلطان، ولكن بقي الفساد مسيطرا على سلوك كثير من المحكومين، وكثير من
الفراعين الجدد الذين لا يحترمون الرأي الآخر، بل وباسم الديمقراطية
يحلمون بأن يكونوا يوما من الحاكمين.
ولله در.. أحب أحبابي وأخلص خلصائي، حين ذكرني بآية حكم مبارك التي ظلت الصحف ترددها ليل نهار، حين قال:
"لا تنس يا أخي أن هؤلاء كانوا دوما يصفون الحاكم بالفرعون، ويعقبونها
بقوله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه".. هكذا ظلوا يرددونها على مسامعنا،
ويملؤون بها جرائدنا.. ورغم ذلك فقد ظلوا طوال الوقت وإلى يومنا هذا ينسون
تتمة الآية: "فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين"...
نعم لقد أطاحت الثورة ببعض المفسدين.. ولكنها لم تستطع بعد أن تقضي على الفساد.
وبنظرة واحدة على المتصدرين للمشهد السياسي والإعلامي، وكمُّ التعالي
والغطرسة التي تطل من الوجوه ولا تخطئها العيون.. وكم الغل الذي لا تخطئه
القلوب، وغياب الرؤية الذي لا تخطئه العقول، وقضية البحث عن الذات التي
باتت أكبر وأعظم من البحث عن الوطن.
ربما ستصل مثلي لنتيجة مفادها، أن مبارك لن يكون آخر الفراعنة في نظام الحكم في وطني الحبيب
!